الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)
.فصلٌ: (إِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ): قَالَ: (وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ قَلْعَهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ وَيُعْطِيَ قِيمَةَ الْبِنَاءِ.لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ، لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ، وَالتَّكْلِيفُ بِالْقَلْعِ مِنْ أَحْكَامِ الْعُدْوَانِ وَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا إذَا زَرَعَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ، وَهَذَا، لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ دَفْعَ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِتَحَمُّلِ الْأَدْنَى فَيُصَارُ إلَيْهِ.وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ، وَهَذَا، لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، لِهَذَا يُنْقَضُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَقُّ يَبْقَى فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالزَّرْعُ يُقْلَعُ قِيَاسًا، وَإِنَّمَا لَا يُقْلَعُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَيَبْقَى بِالْأَجْرِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ وَإِنْ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ.(وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ)، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ.وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَنَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي.وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ.قَالَ: (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا أَوْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ)، لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ تَابِعٌ حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَرِقَ نِصْفُ الْأَرْضِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ، لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ.قَالَ: (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ)، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَمَلُّكِ الدَّارِ بِمَالِهِ.قَالَ: (وَإِنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ: إنْ شِئْتَ فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا وَإِنْ شِئْت فَدَعْ)، لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ)، لِأَنَّهُ صَارَ مَفْصُولًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا.قَالَ: (وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَعَلَى نَخْلِهَا تَمْرٌ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِثَمَرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا ذَكَرَ الثَّمَرَ فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ.وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَأْخُذُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ.وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ صَارَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا فِيهِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ ابْتَاعَهَا وَلَيْسَ فِي النَّخِيلِ ثَمَرَةٌ فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ، لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا، لِأَنَّ الْبَيْعَ إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي وَلَدِ الْمَبِيعِ.قَالَ: (فَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ الثَّمَرَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا)، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَقْتَ الْأَخْذِ حَيْثُ صَارَ مَفْصُولًا عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُهُ.قَالَ فِي الْكِتَابِ (وَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَهَذَا جَوَابُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ)، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَأْخُذُ مَا سِوَى الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ)، لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ: قَالَ: (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ.وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارٍ أَوْ رَبْعٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَبَبُهَا الِاتِّصَالُ فِي الْمِلْكِ وَالْحِكْمَةُ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْقِسْمَيْنِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَهُوَ الْحَمَّامُ وَالرَّحَا وَالْبِئْرُ وَالطَّرِيقُ.الشرح:بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ:الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، عَقَارٍ، أَوْ رَبْعٍ».قُلْت: رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشَّرِيكُ شَفِيعٌ، وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ»، انْتَهَى.وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنُ رَاشِدٍ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ»، انْتَهَى.وَمِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَزَادَ فِي إسْنَادِهِ: هُوَ الْقَرَاطِيسِيُّ يَعْنِي يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهُوَ وَهْمٌ فِيهِ، لَيْسَ فِي كِتَابِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ ابْنَ حَزْمٍ، وَقَدْ وَجَدْنَا لِابْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ، مِثْلَ تَفْسِيرِهِ حَمَّادَ، بِأَنَّهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَيَكُونُ ابْنُ سَلَمَةَ، وَالرَّاوِي عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَتَفْسِيرُهُ شَيْبَانُ، بِأَنَّهُ ابْنُ فَرُّوخَ، وَإِنَّمَا هُوَ النَّحْوِيُّ، وَهُوَ قَبِيحٌ، فَإِنَّ طَبَقَتَهُمَا لَيْسَتْ وَاحِدَةً، وَتَفْسِيرُهُ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ، بِأَنَّهُ الطَّائِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَضَمَّنَّاهُ بَابًا مُفْرَدًا، فِيمَا نَظَرْنَا بِهِ مَعَهُ كِتَابَ الْمُحَلَّى والْقَرَاطِيسِيُّ إنَّمَا هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، وَهَذَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ كُوفِيٌّ، نَزَلَ مِصْرَ، يَرْوِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الرَّازِيَّانِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَوَثَّقَهُ هُوَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَمَّا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، وَهُوَ أَيْضًا ثِقَةٌ، جَلِيلٌ مِصْرِيٌّ، ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ،وَقَدْ رَأَى الشَّافِعِيَّ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.قَالَ: (وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَالسُّفُنِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ»، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إيجَابِهَا فِي السُّفُنِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَدُومُ حَسَبَ دَوَامِهِ فِي الْعَقَارِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ.وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ إذَا بِيعَتْ دُونَ الْعَرْصَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ فَكَانَ نَقْلِيًّا وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ فِي السُّفْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقَ الْعُلُوِّ فِيهِ، لِأَنَّهُ بِمَالِهِ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ اُلْتُحِقَ بِالْعَقَارِ.الشرح:الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ». قُلْت: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَسْتَأْمِرَ صَاحِبَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ»، انْتَهَى.وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا جَابِرٌ، انْتَهَى.قَالَ: (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ) لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي السَّبَبِ وَالْحِكْمَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْبَاغِي وَالْعَادِلُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا.قَالَ: (وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ، وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً أَوْ قِيمَةً عَلَى مَا مَرَّ.قَالَ: (وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا أَوْ يُخَالِعُ الْمَرْأَةَ بِهَا، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهَا دَارًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ يُعْتِقُ عَلَيْهَا عَبْدًا)، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا إنَّمَا تَجِبُ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ الْأَعْوَاضُ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ فَإِيجَابُ الشُّفْعَةِ فِيهَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَقَلْبُ الْمَوْضُوعِ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَمْكَنَ الْأَخْذُ بِقِيمَتِهَا إنْ تَعَذَّرَ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِالْعَرْضِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ، لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا رَأْسًا وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا جَعَلَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ مَهْرًا أَوْ مَا يُضَاهِيهِ، لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ضَرُورِيٌّ، فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ، وَكَذَا الدَّمُ وَالْعِتْقُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَا يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ الْمَطْلُوبِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الدَّارَ مَهْرًا، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ فِي كَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالْبُضْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِالْمُسَمَّى، لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.وَقَالَا: تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ، لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ، فَكَذَا فِي التَّبَعِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ حَتَّى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِيهِ.قَالَ: (أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِإِنْكَارٍ فَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ.وَالصَّحِيحُ أَوْ يُصَالِحُ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ مَكَانَ قَوْلِهِ أَوْ يُصَالِحُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ بَقِيَ الدَّارُ فِي يَدِهِ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ، وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِسُكُوتٍ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَذَلَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَقَطْعًا لِشَغَبِ خَصْمِهِ، كَمَا إذَا أَنْكَرَ صَرِيحًا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِقْرَارٍ، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِالصُّلْحِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مَالِيَّةً، أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ فَيُعَامَلُ بِزَعْمِهِ.قَالَ: (وَلَا شُفْعَةَ فِي هِبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ)، لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ وَلَا عِوَضُهُ شَائِعًا، لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هِبَةٌ مُطْلَقَةٌ إلَّا أَنَّهُ أُثِيبَ مِنْهَا فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ.قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ)، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ (فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ الزَّوَالِ، وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ.قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ وَالشُّفْعَةُ تَبْتَنِي عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِذَا أَخَذَهَا فِي الثُّلُثِ وَجَبَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ، لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا، وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا لِلْبَائِعِ فَظَاهِرٌ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَفِيهِ إشْكَالٌ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ فَلَا نُعِيدُهُ.وَإِذَا أَخَذَهَا كَانَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَرَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِأَخْذِ مَا بِيعَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ، لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَكَيْفَ بِدَلَالَتِهِ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا دُونَ الثَّانِيَةِ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي الْأُولَى حِينَ بِيعَتْ الثَّانِيَةُ.قَالَ: (وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا) أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ وَحَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ، وَفِي إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ صَارَ أَخَصَّ بِهِ تَصَرُّفًا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ.قَالَ: (فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَهِيَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ شَفِيعُهَا، لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، ثَمَّ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا إذَا بَاعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ بَعْدَهُ، لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَبَقِيَتْ الْمَأْخُوذَةُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ بَطَلَتْ لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بَقِيَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا بَيَّنَّا.قَالَ: (وَإِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ)، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ، فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ، وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ، وَالشُّفْعَةُ مَا شُرِعَتْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ.قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ)، لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَالشُّفْعَةُ فِي إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ.قَالَ: (وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَقَدْ قَصَدَا الْفَسْخَ وَهُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ لِوُجُودِ حَدِّ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَالشَّفِيعُ ثَالِثٌ، وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عَلَى مَا عُرِفَ.وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمَعْنَاهُ: لَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِالْفَتْحِ عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ، لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ لُزُومُهُ بِالرِّضَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ..بَابُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ: قَالَ: (وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ، وَهَذَا، لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ.قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلَا عِنْدَ الْعَقَارِ) وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.قَالَ: (وَإِنْ صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَرَدَّ الْعِوَضَ)، لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِحَقٍّ مُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ، وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحَلِّ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ، أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ، وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى: لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ، وَقِيلَ: هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي الشُّفْعَةِ، وَقِيلَ: هِيَ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ).وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُورَثُ عَنْهُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَعْنَاهُ: إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ وَهَذَا نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ دَارِهِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقِيَامُهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَبَقَاؤُهُ لِلشَّفِيعِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ شَرْطٌ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الشُّفْعَةَ بِدُونِهِ.(وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَبْطُلْ)، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِوَصِيَّةٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ فِي حَيَاتِهِ.قَالَ: (وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَزُولُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ، كَمَا إذَا سَلَّمَ صَرِيحًا أَوْ إبْرَاءً عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَالِهِ إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّوَالَ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ.قَالَ: (وَوَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِأَخْذِ الْمَشْفُوعَةِ يَسْعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالْمُشْتَرِي لَا يُنْقَضُ شِرَاؤُهُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، لِأَنَّهُ مِثْلُ الشِّرَاءِ.(وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ فَأَمْضَى الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِإِمْضَائِهِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي.قَالَ: (وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ الَّذِي بَلَغَهُ، وَتَيَسَّرَ مَا بِيعَ بِهِ فِي الثَّانِي إذْ الْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ.وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَهُ الشُّفْعَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.وَلَنَا: أَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فِي حَقِّ الثَّمَنِيَّةِ.قَالَ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ الْجِوَارِ (وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ)، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ (وَلَوْ بَلَغَهُ النِّصْفُ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ الْجَمِيعِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ)، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ، وَفِي عَكْسِهِ لَا شُفْعَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|